فصل: (الشاهد الرابع):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إظهار الحق (نسخة منقحة)



.الباب الثاني: في إثبات التحريف:

وهو قسمان لفظي ومعنوي، ولا نزاع بيننا وبين المسيحيين في القسم الثاني لأنهم يسلمون كلهم صدوره عن اليهود في العهد العتيق في تفسير الآيات، التي هي إشارة في زعمهم إلى المسيح، وفي تفسير الأحكام التي هي أبدية عند اليهود، وأن علماء البروتستنت يعترفون بصدوره عن معتقدي البابا في كتب العهدين، كما أن معتقدي البابا يرمونهم بهذا رميًا شديدًا فلا احتياج إلى إثباته. بقي القسم الأول، وقد أنكره علماء البروتستنت في الظاهر إنكارًا بليغًا لتغليط جهال المسلمين وأوردوا أدلة مموّهة مزورة في رسائلهم ليوقعوا الناظرين في الشك فهو محتاج إلى الإثبات، فأريد إثباته في كتابي هذا بعون خالق الأرض والسماوات، وأقول: إن التحريف اللفظي بجميع أقسامه أعني بتبديل الألفاظ وزيادتها ونقصانها ثابت في الكتب المذكورة، وأورد هذه الأقسام الثلاثة على سبيل الترتيب في ثلاثة مقاصد.

.تمهيد:

.المقصد الأول: في إثبات التحريف اللفظي بالتبديل:

اعلم أرشدك اللّه تعالى أن النسخ المشهورة للعهد العتيق عند أهل الكتاب ثلاث نسخ (الأولى) العبرانية وهي المعتبرة عند اليهود، وجمهور علماء البروتستنت (والثانية) النسخة اليونانية، وهي التي كانت معتبرة عن المسيحيين إلى القرن الخامس عشر من القرون المسيحية، وكانوا يعتقدون إلى هذه المدة تحريف النسخة العبرانية، وهي إلى هذا الزمان أيضًا معتبرة عند الكنيسة اليونانية، وكذا عند كنائس المشرق، وهاتان النسختان تشتملان على جميع الكتب من العهد العتيق (والثالثة) النسخة السامرية، وهي المعتبرة عند السامريين، وهذه النسخة هي النسخة العبرانية لكنها تشتمل على سبعة كتب من العهد العتيق فقط، أعني الكتب الخمسة المنسوبة إلى موسى عليه السلام، وكتاب يوشع وكتاب القضاة لأن السامريين لا يسلمون الكتب الباقية من العهد العتيق، وتزيد على النسخة العبرانية في الألفاظ والفقرات الكثيرة التي لا توجد فيها الآن، وكثير من محققي علماء البروتستنت مثل كي كات وهيلز وهيوبي كينت وغيرهم يعتبرونها دون العبرانية، ويعتقدون أن اليهود حرفوا العبرانية، وجمهور علماء البروتستنت أيضًا يضطرون في بعض المواضع إليها ويقدمونها على العبرانية كما ستعرف إن شاء اللّه تعالى، وإذا علمت هذا فأقول:

.(الشاهد الأول):

إن الزمان من خلق آدم إلى طوفان نوح عليه السلام على وفق العبرانية ألف وستمائة وست وخمسون سنة 1656، وعلى وفق اليونانية ألفان ومائتان واثنتان وستون سنة 2262، وعلى وفق السامرية ألف وثلثماية وسبع سنين 1307، وفي تفسير هنري واسكات جدول كتب فيه في مقابلة كل شخص غير نوح عليه السلام من سني عمر هذا الشخص سنة تولد له فيها الولد، وكتب في مقابلة اسم نوح عليه السلام من سني عمره زمان الطوفان والجدول المذكور هذا:
الأسماء... النسخة العبرانية... السامرية... اليونانية..(الشاهد الثاني):

أن الزمان من الطوفان إلى ولادة إبراهيم عليه السلام على وفق العبرانية مائتان واثنتان وستعون سنة 29، وعلى وفق اليونانية ألف واثنتان وسبعون سنة 1072، وعلى وفق السامرية تسعمائة واثنتان وأربعون سنة 942، وفي تفسير هنري واسكات أيضًا جدول مثل الجدول المذكور، لكن كتب في هذا الجدول في محاذاة اسم كل رجل غير سام من سني عمره سنة تولد له فيها ولد، وكتب في محاذاة اسم سام زمان تولد له فيه ولد بعد الطوفان، والجدول المذكور هذا:
الأسماء... عبرانية... سامرية... يونانية
سام... 2... 2... 2
أرفخشذ... 35... 135... 135
قينان... *... *... *
شالخ... 30... 130
عار... 34... 134... 134
فالغ... 30... 130... 130
رعو... 32... 132... 132
سروغ... 30... 130... 130
ناحور... 29... 79... 79
تارح... 70... 70... 70
292 942 1072
فهنا أيضًا اختلاف فاحش بين النسخ المذكورة لا يمكن التطبيق بينها ولما كانت ولادة إبراهيم عليه السلام بعد الطوفان بمائتين واثنتين وتسعين سنة 292 على وفق النسخة العبرانية، وعاش نوح عليه السلام بعد الطوفان ثلثمائة وخمسين سنة 350 كما هو مصرح في الآية الثانية والعشرين من الباب التاسع من سفر التكوين، فيلزم أن يكون إبراهيم عليه السلام حين مات نوح عليه السلام ابن ثمان وخمسين سنة، وهذا باطل باتفاق المؤرخين، ويكذبه اليونانية والسامرية، إذ ولادة إبراهيم عليه السلام بعد موت نوح عليه السلام بسبعمائة واثنتين وعشرين سنة على وفق النسخة الأولى، وبخمسمائة واثنتين وتسعين سنة على وفق النسخة الثانية، وزيد في النسخة اليونانية بطن واحدبين أرفخشذ وشالخ وهو قينان، ولا يوجد هذا البطن في العبرانية والسامرية، واعتمد لوقا الإنجيلي على اليونانية فزاد قينان في بيان نسب المسيح، ولأجل الاختلاف الفاحش المذكور اختلف المسيحيون فيما بينهم، فنبذ المؤرخون النسخ الثلاث في هذا الأمر وراء ظهورهم، وقالوا إن الزمان المذكور ثلثمائة واثنتان وخمسون سنة 352، وكذا ما اعتمد عليها يوسيفس اليهودي المؤرخ، المشهور وقال إن هذا الزمان تسعمائة وثلاث وتسعون سنة 993، كما هو منقول في تفسير هنري واسكات وأكستائن، الذي كان أعلم العلماء المسيحية في القرن الرابع من القرون المسيحية وكذا القدماء الآخرون، على أن الصحيح النسخة اليونانية، واختاره المفسر (هارسلي) في تفسيره ذيل تفسير الآية الحادية عشرة من سفر التكوين. و(هيلز) على أن الصحيح النسخة السامرية، ويفهم ميلان محققهم المشهور (هورن) إلى هذا.
في المجلد الأول من تفسير هنري وسكات: (إن أكستائن كان يقول: إن اليهود قد حرفوا النسخة العبرانية في بيان زمان الأكابر الذين قبل زمان الطوفان وبعده إلى زمن موسى عليه السلام، وفعلوا هذا الأمر لتصير الترجمةُ اليونانية غيرَ معتبرة، ولعناد الدين المسيحي ويعلم أن القدماء المسيحيين كانوا يقولون مثله، وكانوا يقولون إن اليهود حرّفوا التوراة في سنة مائة وثلاثين من السنين المسيحية) انتهى كلام التفسير المذكور.
وقال هورن في المجلد الثاني من تفسيره: (إن المحقق هيلز أثبت بالأدلة القوية صحة النسخة السامرية، ولا يمكن تلخيص دلائله ههنا، فمن شاء فلينظر في كتابه من الصفحة الثمانين إلى الآخر، وأن كنى كات يقول: لو لاحظنا أدب السامريين بالنسبة إلى التوراة، ولاحظنا عاداتهم، ولاحظنا سكوت المسيح عليه السلام حين المكالمة المشهورة التي وقعت بينه وبين الامرأة السامرية) وقصتها منقولة في الباب الرابع من إنجيل يوحنا وفي هذه القصة هكذا: 19 (قالت له الامرأة إني أرى أنك يا رب نبي) 20 (وكان آباؤنا يسجدون في هذا الجبل) تعني جرزيم (وأنتم) أي اليهود (تقولون المكان الذي ينبغي أن يسجد فيه في أورشليم) ولما علمت هذه الامرأة أن عيسى عليه السلام نبي سألت عن هذا الأمر الذي هو أعظم الأمور المتنازعة بين اليهود والسامريين، ويدّعي كل فرقة فيه تحريف الأخرى ليتضح لها الحق، فلو كان السامريون حرفوا التوراة في هذا الموضع كان لعيسى أن يبين هذا الأمر في جوابها، لكنه ما بيَّن بل سكت عنهُ، فسكوته دليل على أن الحق ما عليه السامريون، (ولو لاحظنا أمورًا أخر لاقتضى الكل أن اليهود حرفوا التوراة قصدًا، وأن ما قال محققو كتب العهد العتيق والجديد أن السامريين حرفوه قصدًا لا أصل له) انتهى كلام هورن، فانظر أيها اللبيب أنهم كيف اعترفوا بالتحريف وما وجدوا ملجأ غير الإقرار.

.(الشاهد الثالث):

أن الآية الرابعة من الباب السابع والعشرين من كتاب الاستثناء في النسخة العبرانية هكذا: (فإذا عبرتم الأردن فانصبوا الحجارة التي أنا اليوم أوصيكم في جبل عِيبال وشيدوها بالجص تشييدًا) وهذه الجملة (فانصبوا الحجارة التي أنا اليوم أوصيكم في جبل عيبال) في النسخة السامرية هكذا: (فانصبوا الحجارة التي أنا أوصيكم في جبل جِرْزيم) وعيبال وجِرزيم جبلان متقابلان كما يفهم من الآية الثانية عشرة والثالثة عشرة من هذا الباب، ومن الآية التاسعة والعشرين من الباب الحادي عشر من هذا الباب، فيفهم من النسخة العبرانية أن موسى عليه السلام أمر ببناء الهيكل أعني المسجد على جبل عيبال، ومن النسخة السامرية أنه أمر ببنائه على جبل جِرْزيم، وبين اليهود والسامريين سلفًا وخلفًا نزاع مشهور تدعي كل فرقة منهما أن الفرقة الأخرى حرّفت التوراة في هذا المقام، وكذلك بين علماء البروتستنت اختلاف في هذا الموضع، قال مفسرهم المشهور آدم كلارك في صفحة 817 من المجلد الأول من تفسيره: (إن المحقق كني كات يدعي صحة السامرية والمحقق باري ودرشيور يدعيان صحة العبرانية، لكن كثيرًا من الناس يفهمون أن أدلة كني كات لا جواب لها، ويجزمون بأن اليهود حرفوا لأجل عداوة السامريين، وهذا الأمر مسلم عند الكل أن جرزيم ذو عيون وحدائق ونباتات كثيرة، وعيبال جبل يابس لا شيء عليه من هذه الأشياء، فإذا كان الأمر كذلك كان الجبل الأول مناسبًا لإسماع البركة والثاني للعن) انتهى كلام المفسر، وعلم منه أن المختار كني كات وكثير من الناس أن التحريف واقع في النسخة العبرانية وأن أدلة كني كات قوية جدًّا.

.(الشاهد الرابع):

في الباب التاسع والعشرين من سفر التكوين هكذا: 2 (ونظر بئرًا في الحقل، وثلاثة قطعان غنم رابضةً عندها لأن من تلك البئر كانت تشرب الغنم، وكان حجر عظيم على فم البئر 8 فقالوا ما نستطيع حتى تجتمع الماشية) إلى آخر الآية، ففي الآية الثانية والثامنة وقع لفظ قطعان غنم، ولفظ الماشية، والصحيح لفظ الرعاة بدلهما كما هو في النسخة السامرية واليونانية والترجمة العربية لوالتن، قال المفسر هارسلي في الصفحة الرابعة والسبعين من المجلد الأول من تفسيره في ذيل الآية الثانية: (لعل لفظ ثلاثة رعاة كان ههنا انظروا كني كات) ثم قال في ذيل الآية الثامنة: (لو كان ههنا حتى تجتمع الرعاة لكان أحسن، انظروا النسخة السامرية واليونانية وكني كات والترجمة العربية لهيوبي كينت) وقال آدم كلارك في المجلد الأول من تفسيره: (يصر هيوبي كينت إصرارًا بليغًا على صحة السامرية) وقال هورن في المجلد الأول من تفسيره موافقًا لما قال كني كات وهيوبي كينت أنه وقع من غلط الكاتب لفظ قطعان الغنم بدل لفظ الرعاة.